مقالات وآراء

السبت - 12 يوليو 2025 - الساعة 01:13 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/د. موسى علاية

حين يُهاجر الإنسان من بيئة فقيرة أو مضطهدة، عادةً ما يحمل معه شعورًا دفينًا بالنقص، ليس فقط تجاه ما فاته من حياة كريمة، بل تجاه ذاته وهويته التي شُوّهت عبر سنوات من التهميش أو القهر. هذه الظاهرة، المعروفة في علم النفس الثقافي بـ”عقدة التهميش”، لا تتبدد بالضرورة عند تحسن الظروف المادية، بل قد تتخذ أشكالًا جديدة من التمظهر العدائي، خاصة عندما لا يصاحب ذلك التحسن إعادة بناء داخلية متزنة للشخصية والوعي.

اليمنيون المُغتربون في أمريكا، وتحديدًا بعض الفئات التي ارتفعت أوضاعهم الاقتصادية فجأة، هم نموذج صارخ لهذه الحالة. فبدل أن يتحول النجاح المالي إلى أداة لبناء جسور جديدة مع المجتمع أو دعم أبناء جلدتهم، تحوّل –عند البعض– إلى درع عدائي يُستعمل في استعراض القوة والإقصاء والتقليل من الآخرين. نشأت سلوكيات تنافسية ممزوجة بمرارة قديمة تجاه بعضهم البعض، كأن التاريخ الشخصي صار معركة مستمرة لإثبات “من الأفضل”، وليس تعاونًا لخلق مستقبل مشترك.

يتجلّى هذا السلوك في عدة مظاهر:
1. التحاسد الخفي والمعلن وبدلًا من مشاركة قصص النجاح كمصدر إلهام، تتحوّل إلى ساحة للتفاخر المريض. ويُقابلها سيل من التحقير والتشكيك من الطرف الآخر، الذي يرى في نجاح غيره تهديدًا لشرعيته الرمزية.
2. تحالفات نفعية قصيرة النفس حيث يتجمّع البعض حول المال أو النفوذ، لا حول فكرة أو مشروع جماعي. ثم ينفجر ذلك التحالف عند أول اختلاف بسيط، فيتحول إلى عداوة مريرة.
3. بغض عدائي للمختلف حيث من لم ينتمِ للمنطقة أو العائلة أو التيار، يصبح “عدوًا محتملًا”، ويتم التعامل معه بمنطق الإقصاء والتهكم، بدلًا من منطق الشراكة والتنوع.
4. تحايد اجتماعي مصطنع بحيث يتجنّب الكثيرون الانخراط الحقيقي في القضايا المجتمعية، ويفضلون النفاق الاجتماعي على التصدي للمشاكل البنيوية التي تعيق تقدمهم كجالية.

من الجدير بالذكر أن هذا التحليل لا يُعمّم على جميع اليمنيين في أمريكا، فهناك نماذج مشرقة بلا شك. لكن الفئة التي تعاني من هذه “العقدة” تمارس نفوذًا مضرًا على نسيج الجالية، وتساهم في خلق بيئة موبوءة بالتنافسية السلبية بدل التكافل البنّاء.

إن ما تحتاجه الجالية اليمنية في أمريكا –وغيرها من الجاليات– ليس فقط المال أو المكانة، بل شفاءً نفسيًا جماعيًا من عقدة النقص القديمة، وإعادة تشكيل خطاب الذات على أساس من الاعتزاز العاقل، والانفتاح على الآخر، والتواضع الذي يُثمر قوة لا عدائية.