الوطن العدنية/أبو زين ناصر الوليدي
جيلي والجيل الذي قبلي في مديرية مودية يعرفون المرحوم ناصر فرج ولو في آخر حياته.
ما لا يعرفه الكثيرون من جيلي أن المرحوم ناصر فرج كان مهندس سلاح ماهر، يقوم بإصلاح البنادق في منطقة دثينة كلها، وقد اشتهر بذلك ووثق الناس بمهارته وقدراته وأمانته، بل يخبر بعض المتخصصين أن هذا الرجل لو توفرت له بعض الإمكانيات في تلك المرحلة لاستطلاع أن يصنع كثيرا من أنواع البنادق.
وهناك الكثير من الحوادث التي تدل على أمانة الرجل وعلى مهارته سأذكر منها هنا هذه الحادثة:
كان جدي سالم علي الوليدي رحمه الله يمتلك بندقا، يعتبر نادرا في تلك الأيام وهو بندق ( بلجيك) توماتيك(الجيش المصري) حصل عليه في مطلع الستينات، وكان رحمه الله شخصية اجتماعية كبيرة في دثينة، بالإضافة إلى كونه قاضيا في محكمة القليتة، وأحد أعضاء لجنة معالجة الثأر في ولاية دثينة، وكان بندقه نادرا وغالي الثمن مقارنة بغيره من البنادق في تلك الأيام، ولكن هذا البندق تعطل عطلا بسيطا في مطلع السبعينيات فأخذه الى المهندس ناصر فرج ليصلح عطله، فلم يلبث يسيرا حتى استولى اليسار على الحكم بعد ( الخطوة التصحيحية)وحصل ما تعرفونه من القتل والسحل والاختطافات، وكان نصيب قريتنا الصغيرة اعتقال جدي سالم علي مع ولده الشاب علي سالم، وعمي محمد لقلم، فلم يكن من المهندس ناصر فرج إلا أن أخفى جميع البنادق التي معه في مكان سري داخل بيته لا تصل إليه العيون، مضت إجراءات اليسار وتم إعدام عمي علي سالم، وعمي لقلم في محاكمة شكلية وأخفيت جثامينهم، ومعهم الكثير من خيرة رجالات دثينة، وخضع جدي سالم علي لأشد أنواع التعذيب حتى أفرج عنه مريضا، فلم يلبث يسيرا حتى مات رحمه الله عام ١٩٧٥م وكان عمري حينها ثلاث سنوات .
مرت السنون وتفاقمت الصراعات، وقتل سالمين ثم أطيح بفتاح، وتسلم السلطة علي ناصر، ثم جاءت حرب ١٣ يناير ١٩٨٦م التي أكلت الأخضر واليابس، ثم سلم الجنوب لنظام الشمال بالطريقة التي تعلمون .
وبعد الوحدة وفي يوم من الأيام يرسل ناصر فرج إلى والدي رسولا يقول له : أن هناك أمانة عندي للمرحوم والدك .
جاء الوالد إلى ناصر فرج، فأخرج له بندق جدي سالم علي بعد أن قضى عشرين سنة مختبئا في مستودع ناصر فرج، فسلم الأمانة كما هي، وسلم غيرها من البنادق التي خبأها عن أعين النظام حينها.
والحقيقة أنه لم يكن أحد يعلم أين اختفى بندق جدي، بل ولم يكن أحد يسأل عنه، ظنا أنه ذهب مع الكثير من الأشياء التي ذهبت في تلك المرحلة.
كان المرحوم ناصر فرج يستطيع أن يبيع هذه البنادق بأثمان عالية، ولكنها الأمانة والخوف من الله والشيم الكريمة التي يتمتع بها الرجل وعائلة ٱل فرج الكريمة..
رحم الله جدي سالم ورحم الله ناصر فرج ورحم الله كل الذين جرفتهم تلك الأحداث المؤلمة .
.لقد رحل ناصر فرج من الدنيا ولم يكن رجلا مشهورا ولا قائدا كبيرا.. ولكن أمانته ومهارته دعتنا اليوم أن نوفيه حقه ونكتب عنه هذه السطور ليعرفه أهل دثينة ويترحموا عليه ويشيدوا بنبله ومواقفه .
.وهذه هي أمانة القلم .
_____
كتب محمد ناصر فرج
تعليقي على ما كتبه أبو زين الوليدي عن أمانة ناصر فرج
لقد قرأت ماكتبه أخونا أبو زين الوليدي، في مقالته عن أمانة والدي رحمه الله تعالى، ولا أستغرب من طريقة أبي زين ومواضيعه، وليس هذا بالأمر الأول منه، فقد جرت عادته بذكر محاسن الناس وحسن ظنه بالآخرين، لغير قرابة أو مصلحة أو نحوها، وذلك مما يقوي أواصر الخير والترابط بين الناس، وأخي أبو زين عهدناه رجلا سهلا لين الجانب، وهكذا كان أهله (أهل سالم علي)،والده محمد سالم كانت لي علاقة خاصه به، فأما جده المرحوم سالم علي فكنت أسمع عنه كثيرا من والدي، وكذلك كان يحدثني عنه كثيرا الوالد محسن حيمد رحمه الله، فرغم مكانته الاجتماعية إلا إنه كان شديد التواضع.
أما بالنسبة للبندق الذي كان عند والدي فهو بندق عيلمان مسجل فيه بالختم (الجيش المصري) وكان بندق أوتوماتيك، أما العطال فيه فهو إسطوانة الغاز(التحكم) وكان هذا السلاح نادر الوجود في البلاد في تلك الأيام، وهو بمثابة الشاخوف الروسي، فلولا عدم توفر ذخيرته لفضل على الشاخوف ، وأما بالنسبة للوالد فقد كان مهندسا في السلاح قبل التحاقه بالجيش، ثم بعد التحاقه صار مهندسا في معسكر بدر، ومما حدثنا به أنه ذات مرة قام بإصلاح بندق آلي عجز عن إصلاحه الخبير الروسي، مما أغضب الخبير الروسي عليه.
أما نحن فقد استفدنا منه كثيرا في هندسة السلاح وورثنا عنه تلك الصنعة المهمة، وأتذكر أنه جاء يوم إلي رجل من محافظة ذمار كان يشتري أجزاء البنادق الرش، فرآني وأنا أشتغل بعض الشغل فعجب لما رأى من العمل، فقال لي اذهب إلى ذمار وانظر إلى الآلات التي معهم وستصنع أحسن منهم، ولم تكن بحوزتي إلا العدة اليدوية .
و مما تم إصلاحه من قبلي اثنين بنادق رش، ولم أدخل في صناعتهن من قطع البنادق الأخري إلا ثلاث قطع، وقد أخذ أحدهم بندقا منهن مني ليصطاد به، فقال لي إني اصطدت به صيد بطلقة واحدة، وهذه البنادق موجودات في قرية الجبلة، واحد مع ابن خلب وآخر مع ابن القادري، وقد صنعت للوالد الخضر ناصر الوليدي نتاشة بندق شاخوف، فعجب من ذلك، ومعروف أن النتاشة صعبة التركيب، كذلك كنت أقوم بتغيير بنادق صيد الحمام إلى بنادق (توتو) ذخيرة حية، وغيرها من التعديلات من ذخيرتها إلى ذخيرة أخرى.
وهكذا جرنا الحديث إلى تلك الأيام الماضية فشكرا للأخ أبي زين ورحم الله المرحومين سالم علي الوليدي وناصر فرج وأسكنهم فسيح جناته، وأدعو الإخوة الكتاب إلى تدوين الأحداث الاجتماعية للمرحلة السابقة والكتابة عن الشخصيات المختلفة حتى لا تهمل وتضيع كما ضاعت الكثير من الأشياء الجميلة التي لم تدون...
*ملاحظة
الصورة الملحقة هي صورة جدي سالم علي الوليدي
وصورة البندق الذي تحدثنا عنه.
وقد حاولت أن أحصل على صورة للمرحوم ناصر فرج وتواصلت مع أحفاده ولكن للأسف لم نجد.