الوطن العدنية/إعداد - القاضي أنيس جمعان
تعرف على قصة زواج ووفاة الصحابي الجليل جُليبيب الأنصاري رضي الله عنه.
الصحابي جُليْبِيب رضي الله عنه هو عبدٌ قصير ، أسود ، أفطس ، فقير ، دميم ، ليست له أسرة معروفة ، ليس عنده مال ، ولامنصب ، ولاشيء ،* *فقير ، رثّ الثياب ، دميم الخِلقة ، حسن الخُلق ، وكانت فيه دعابة ، وكان عزبًا ، يشرب بكفيه من المياه الجارية أو يغترف من الآبار ، يأكل كسرات خبزٍ إن وجد ، فإن لم يجد يطوي صائماً ، ينام وفراشه الأرض ولحافه السماء ، وليس له من مخدة إلانعليه في فناء مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم- مرّ يوماً والنبيّ-صلى الله عليه وسلم -جالسٌ بين أصحابه ، ينظر إلى هذا الرجل "أي جُليْبِيب" بهذه الحالة ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لأصحابه :*
*أتعلمون من هذا ..؟!*
*وإذا بأغلب الصحابة لايعرفون أسمه ..*
*إن حضر لم يُعرف وإن غاب لم يُفتقد ومن يحفظ اسم رجلٍ كهذا ..!!*
*فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:-*
*إنه جُليْبِيب ، ثم نادى به :*
*يا جُليْبِيب ألا تتزوج ..؟*
*فنظر جُليْبِيب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتفجع ، لم يتأوه ، لم يقل يا رسول الله ماعندي دنيا ماعندي مال ، إنما ما زاد على أن قال: يارسول الله ومن يُزوِج جُليْبِيب في الدنيا ولامال ولاجاه ..!!*
*يعرف أن الناس ما زالوا يُحكمون بهذه المقاييس ، إنه ينتظر زواج الآخرة ، فتركه النبيّ-صلى الله عليه وسلم-..*
*وفي اليوم الثاني ؛ ناداه وهو يمرّ :*
*يا جُليْبِيب ألا تتزوج ..؟*
*فقال له جُليْبِيب -رضي الله عنه-:*
*يا رسول الله ومن يزوج جُليْبِيب في الدنيا ولامال ولاجاه ..!!*
*ثم في اليوم الثالث قال:*
*يا جُليْبِيب ألا تتزوج ..؟*
*فالتفت مستغرباً من نداء النبي-صلى الله عليه وسلم-ثم قال :*
*قلت لك يا رسول الله من الذي يزوج جُليْبِيب ولامال ولا جاه ..!!*
*قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:*
*يا جُليْبِيب اذهب إلى بيت فلان الأنصاري ، وأخطب إبنته وقل أرسلني رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ويقول لكم :*
*زوجوني إبنتكم ، وكانت الفتاة من أجمل نساء الأنصار ، فذهب جُليْبِيب وطرق الباب حيث أرسله النبي-صلى الله عليه وسلم- ثم قال:*
*يُسلم عليكم النبي-صلى الله عليه وسلم -ويقول لكم زوجوني إبنتكم ..*
*فقال الأب :*
*يا جُليْبِيب لامال ولاجاه .. كيف نزوجك ..؟!*
*وصاحت الأم لزوجها :*
*أيُزَوَج جُليْبِيب وهو على هذه الحال ولامال ولاجاه ..!!؟؟ ، وإبنتنا في موقعها وموضعها التي هي فيه ، فكما قلنا إن هذه الفتاة كانت من أجمل نساء الأنصار ..*
*تسمع الفتاة المؤمنة فتاة العقيدة ، فتاة التوحيد ، فتاة القرآن والسنة ، فتاة قيام الليل ، ليست فتاة التلفاز فيما لا يفيد ، وليست فتاة قارعة الطريق والمتنزهات تسمع الفتاة المؤمنة هذا الحديث في سِترها ، فتصرخ بوالديها من الداخل ، كيف هذا ..!*
*أتردّان رسولَ رسولِ الله ..!!*
*فوالله إني أجزت زواجي ، وإني قبلت به زوجًا ..*
*قالوا : يا ابنتاه انظريه ، انظري شكله ، انظري هندامه ، انظري ثوبه ، فلامال ولاجاه ..*
*فردت الفتاة المؤمنة :*
*والله لا أردّ خاطباً أرسله النبي-صلى الله عليه وسلم-:*
*وهذا هو سلوك المؤمنين المؤمنات مع أوامر الله وأوامر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقد قال الله تعالى:*
*وما كان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا ..*
*وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام حينما علم أنها قبلت به دعا لهما ، فقال: “اللهم صُبَّ عليهما الخير صبًا، ولا تجعل عيشهما كدًا كدًا”..*
*وللصحابي الجليل جُليْبِيب قصة مشهورة ولكن بعضنا لم يسمع بها لكنه وردت في قصص أخبار الصحابة ، قال أنس رضي الله عنه :*
*كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له : جليبيب في وجهه دمامة ، فعرض عليه رسول الله التزويج ، فقال :*
*إذا تجدني كاسداً ..*
*فقال : غير أنك عند الله لست بكاسد ..*
*فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص لتزويج جُليْبِيب ..*
*حتى جاء رجل من الأنصار يوماً يعرض ابنته الثيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتزوجها ..*
*فقال صلى الله عليه وسلم : نعم يا فلان ، زوجني إبنتك ..*
*قال : نعم ونعمين .. يارسول الله ..*
*فقال صلى الله عليه وسلم : إني لست أريدها لنفسي ..*
*قال : فلمن ..؟*
*قال : لجُليْبِيب ..*
*قال : جُليْبِيب ، يارسول الله.. !! حتى أستأمر أمها ..*
*فأتى الرجل زوجته فقال : إن رسول الله يخطب إبنتك ..*
*قالت : نعم .. ونعمين .. زوِّج رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال : إنه ليس يريدها لنفسه ..*
*قالت : فلمن ..؟ قال : يريدها لجُليْبِيب ..*
*قالت : حلقى لجُليْبِيب .. لا لعمر الله لا أزوج جُليْبِيباً ، وقد منعناها فلاناً وفلاناً ، فأغتم أبوها لذلك ، وقام ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..*
*فصاحت الفتاة من خدرها بأبويها :*
*من خطبني إليكما ..؟قالا : رسول الله صلى الله عليه وسلم ..*
*قالت : أتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره.. ؟ ، أدفعاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لن يضيعني ، فكأنما جلَّت عنهما ..*
*فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :*
*يارسول الله ، شأنك بها فزوِّجها جُليْبِيباً ، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم جُليْبِيباً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم كفيه الشريفتين ودعا لها وقال:*
*اللهم صب عليهما الخير صباً ولا تجعل عيشهما كداً كداً !!*
*وفي مسند الإمام أحمد أن النبي-صلى الله عليه وسلم- دعا لزوجته فقال :*
*“اللهم صبّ عليها الخير صبّا ً، ولا تجعل عيشها كدّاً كدّاً”. قال ثابت: فما كان من الأنصار أيم -ثيب -أنفق منها ..!!*
*ويُحضر جُليْبِيب لعرسه تلك الليلة ، وبينما مراسيم الزفاف على بساطتها تُعقد ، إذ بمنادي الجهاد يصرخ في الخارج :*
*“يا خيل الله اركبي ياخيل الله اركبي” ، فإذا بجُليْبِيب-رضي الله تعالى عنه-يترك عروسه في زينتها ، في حُلتِها ليلة الزفاف ، وإذا به يسحب يده كأن عقرباً لدغته ، وينطلق كالسهم من الرمية ، ويلتحق بصفوف الجيش نحو الغزوة ، ويقاتل مع الذين يقاتلون ، وتنجلي المعركة، ويأتي النبي-صلى الله عليه وسلم- ويتفقد أصحابه من الشهداء ، فيعدد الصحابة كل الناس إلا جُليْبِيب لايذكره أحد ، قال :*
*ألا تفقدون أحداً ..؟*
*قالوا : من ..؟*
*قال : أفقد جُليْبِيب ، فقوموا نلتمس خبره ..*
*ويبحث عنه النبي-صلى الله عليه وسلم- فيجده وقد تضرح بالدم وأصيب بجراحات بليغة ، وصار وجهه من طيب الأرض وترابها ، فينفض النبي-صلى الله عليه وسلم- التراب عن وجه جُليْبِيب ، ويضع رأسه على فخذه الشريف ثم قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:* *جُليْبِيب قتلت سبعًا من الكفار ثم قُتلت ، أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ، ثم أشاح عنه برأسه-صلى الله عليه وسلم-يميناً ..* *قال :*
*أتدرون لِمَ أشحت بوجهي يمينا ..؟*
*قالوا: لِمَ يا رسول الله ..؟*
*قال: والله رأيت زوجاته من الحور العين يتسابقن إلى إحتضانه ، وأعرفه رجلاً غيوراً ، فأشحت بوجهي حتى لايغار ..*
*ثم تربع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بجانب هذا الجسد ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه وأمرهم أن يحفروا له قبراً ..*
*قال أنس رضي الله عنه : فمكثنا والله نحفر القبر ، وجُليبيب ماله فراش غير ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ..*
*قال أنس : فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي عدتها حتى تسابق إليها الرجال يخطبونها ..*
*قال الله تعالى :*
*"إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (النور:51)*
*العبره من الـقصـة*
*------------------*
*الصحابي جُليْبِيب كان لامال ولاجاه ، ونحن بكل جاهنا ، بكل مالنا ، بكل حُلَلِنا ، بكل مالنا ؛ ماذا فعلنا ..!!؟؟*
*فيا أيها الحبيب ؛ ثمنك وقيمتك هو حُبك لربك ، اتباعك لنبيك ، تعلقك بدينك ، خدمتك لأمتك ، فلا تزدري نفسك ، ولاتنصت إلى أولئك المُخذِّلِين ، لاتنصت إلى هذا الهمس الشيطاني ، الذي يقول لك من أنت ..؟وماذا يمكن أن تصنع ..؟*
*فلا تزدري نفسك وكن جُليْبِيب وقتك ، فما أحوج الدين إلى أمثال جُليْبِيب ، ما أحوج الإسلام إلى أولئك الذين يتحركون غماراً أغماراً ، إن حضروا لم يٌعرفوا ، وإن غابوا لم يُفتقدوا، فمنذ أعوام وعقود تنادي الأمة بكل جراحها، وتنادي العقيدة بكل آلامها ، ينادي الأقصى وينادي المستضعفين من أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها ، من فلسطين وبورما وأفغانستان واليمن ومصر وسوريا والعراق ومالي ونيجيريا وطاجيكستان وقيرغيزستان ، وغيرها الكثير تنادي دماؤنا وأعراضنا :*
*ياخيل الله أركبي ، ولكن لاخيل لله تُركب إلامن رحم ربي ولاحول ولاقوة إلا بالله ، فكن جُليْبِيباً وقتك وأستعن بالله على ذلك ، رزقنا الله وإياك خدمة دينه ..*
*أفمن أدخل ابنته بيتاً مسلماً تالياً لكتاب الله مستقيماً ذاكراً لله خير أم من أدخل ابنته بيتاً مغنياً فاحشاً ضالاً ظالماً لايستوون ، لها ما أحوجنا لجليبيب في هذا الزمن ، ليس المهم من تكون عند الناس لكن المهم من تكون انت عند الله .. (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:109] ..