السبت - 03 نوفمبر 2018 - الساعة 06:15 م
في أصل طبيعة خلق الإنسان أنه يحب الهدوء، فهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يتفكّر في كل ما يحيط به، فمن خلاله يخطط في بناء ذاته، أو يتأمل في سلوكياته، أو يتفكر في خلق الله، أو يحلم في المستقبل كيف يكون.
والهدوء ضد الحركة التي هي سمة الكون، فالأصل هو الحركة، والهدوء هو الاستثناء، لكن هذا الاستثاء مرغوب، نبحث عنه أحيانا في طلب الراحة، أو الانزواء والخلوة بالنفس، أو الذهاب لزيارة معالم الطبيعة الصامتة، ومن ذلك الهروب من النقاش والجدال، حيث نهرب من الصخب والضوضاء، من المدينة المكتظة إلى الريف الهادئ، وهكذا نبحث دائماً عن لحظات من الهدوء نناجي فيها النفس، وتسمو بها الروح، ويتفكر فيها العقل.
علما" أن الهدوء لا يعني عدم القدرة على الحديث، أو ضعف في الشخصية، بل بالعكس فهو يدل على القوة والوعي والمقدرة على التحدث في الوقت المناسب، وهو من أجمل الصفات التي يمكن أن يتحلّى بها الإنسان لأنه يقرب القلوب منه وبه تنال إعجاب كل من حولك.
حيث أن الكثيرُ من الأشخاص يلجؤون إلى الصّمت والهدوء في الكثير من ظروف الحياة، فهُما ليس ضعفاً بل أسلوباً راقياً لا يعرفهُ أغلب البشر؛ فالكثيرون يعتقدون أنّ الصامت غير مبالٍ ولكنّ ذلك غير صحيح فهو قد يمتلك الكثير من المشاعر الجياشة ولكن لا يعبر عنها حتّى في المواقف التي تحتاج إلى الكلام.
و من ناحية اخرى يمكن القول بأن الهدوء حالة عقلية تتمثل بغياب الهياج، والإثارة والاضطراب ؛ يحدث الهدوء غالبا بسهولة للإنسان العادي في حالة الاسترخاء، لكن من الممكن حدوثه أيضا في الحالات الأكثر وعيا" ويقظة، يجد بعض الناس أن تركيز العقل على شيء خارجي أو حتى داخلي مثل التنفس قد يكون بحد ذاته مهدئا، الهدوء ميزة من الممكن اكتسابها وتطويرها بالممارسة.
الهدوء وكف اللسان :
لقد نهينا عن الخوض في الباطل، وكثرة نقل الكلام، وقيل وقال، وعن الغيبة والنميمة والكذب، وغيره من الآفات، فالصمت خير من الحديث في حالات كثيرة، فإذا لم يكن في الحديث منفعة دينية ودنيوية فالصمت أولى ، وهو يورث الحكمة {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس}. فالهدوء النفسي يقود إلى الصمت والصمت الكثير يعوّد النفس الهدوء.
الهدوء واتخاذ القرارات :
الحياة مليئة بالضغوطات، والتحديات، والمشاكل التي تواجه الشخص في حياته اليوميّة، وتتطلب الكثير من المواقف ردود أفعال سريعة، وشخصية حكيمة، تتخذ القرارات بهدوء ورويّة، ودون أي تسرّع وانفعال، فقد يصاب الإنسان بالفشل، أو خيبة الأمل، أو قد يتعرّض للاستفزاز، وهذه مواقف كلّها قد تُخرج الشخص عن طوره أحياناً، وتجعل صوته مرتفعاً، وأعصابه متوترة، لكن رغم كل شيء، يجب المحافظة على الهدوء، والشخصية الهادئة؛ لأن الشخصية الانفعالية، التي تتصف بالعصبية، تترك أثراً سلبياً فيمن حولها، وتصبح شخصية منفّرة، لذلك يجب أن يحاول الإنسان قدر الإمكان، التصرّف بهدوء وسكينة، وأن يكون شخصاً هادئاً.
وأخيرا إن بحثنا عن الهدوء والطمانينة لن يتوقف مهما كانت الحياة من حولنا صاخبة، لكنه يبدأ من هدوئنا وصبرنا الذاتي الذي يوفره الإيمان والرضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً" ( رواه مسلم).
بِقلم/ عهد جميل.