الوطن العدنية/المصدر أونلاين
بدا ميناء عدن الاستراتيجي جنوب اليمن، خالٍ من السفن تماماً، مقابل ازدحام في موانئ الحديدة الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، في مؤشر على ما أحدثته تسهيلات الهدنة الممنوحة للحوثيين، والإجراءات البيروقراطية المعقدة التي تعتمدها الحكومة الشرعية والتحالف على وصول السفن إلى ميناء عدن من آثار كارثية على أهم موانئ البلاد، وبالتالي على الاقتصاد الوطني المتهالك.
وأظهرت تطبيقات تتبع الملاحة ميناء عدن يوم الإثنين ٢٧ نوفمبر خالياً من أي سفينة، وهو مشهد يبعث على القلق لاسيما حين نتذكر أن عدن تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، وميناءها واحد من أفضل موانئ المياه العميقة الطبيعية في العالم، حيث يصل العمق في المرسيين 1 و2 إلى 16 متراً في المرفق الذي تدعمه منطقة تمتد مساحتها إلى 48 هكتاراً.
وقال مصدر في ميناء عدن لـ"المصدر أونلاين" إن هذا هو الحال طوال الأسبوع الأخير تقريبا، حين وصلت في الـ22 من الشهر الحالي تقريبا سفينة تحمل مواد بناء، وجرى تفريغها على مهل خلال عدة أيام، قبل أن تغادر الأحد الماضي المرسى، ويصبح الميناء فارغا تماماً من أي سفينة تجارية.
بحسب المصدر والذي يعمل في محيط الميناء منذ أكثر من عقد، فإن هذا المشهد غير مألوف ولم يسبق له أن سمع عنه حتى خلال الحرب التي شهدتها عدن إبان اجتياح ميليشيا الحوثي لها في العام 2015.
وميناء عدن، ميناء شهير عبر التاريخ، إذ يقال إن الحركة التجارية بدأت في المدينة الاستراتيجية ومينائها من قبل ثلاثة آلاف عام، ووفقا للموسوعة الحرة ويكيبيديا فإنه خلال الخمسينات من القرن الماضي تم تصنيفه كثاني ميناء في العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود.
ويقول التاريخ إنه بعد فتح قناة السويس عام 1869م ارتفع شأن الميناء ليصبح عام 1950م، واحداً من أكثر الموانئ ازدحاما لتموين السفن بالوقود، ومركزاً للتسوق والتجارة في العالم. ويضيف وفقا لويكيبيديا "كانت الصنادل تقوم بنقل البضائع بين السفن الراسية في الميناء الداخلي والأرصفة بينما تقوم السفن الشراعية بنقل البضائع من وإلى الموانئ الإقليمية".
وعانى الميناء في العقدين الأخيرين من مشاكل جمة منذ استولت عليه شركة "موانئ دبي العالمية" بموجب صفقة مشبوهة مع حكومة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ودار حولها الكثير من اللغط وشبه الفساد في 2008، وعملت على إضعاف شأنه بشكل ممنهج لصالح موانئ الإمارات، وفقا لخبراء اقتصاديين، وأظهرت إحصائيات نشاط ميناء عدن تراجعاً مخيفاً في أدائه خلال تلك الفترة، فبينما استقبل نحو 500 ألف حاوية خلال العام الذي سبق تشغيل "موانئ دبي العالمية" له، تناقصت هذه الكميات عاماً بعد آخر حتى وصلت إلى 130 ألف حاوية فقط خلال عام 2011م، بينما توقف عمل خطوط الـ«BIL» التي كانت تعمل في الميناء منذ 25 عاماً كخطوط ترانزيت للسفن التي تتوقف للتزود بالوقود.
وعقب ثورة الشباب قررت الحكومة استعادة الميناء بعد مظاهرات وضغوط شعبية كبيرة، ونجحت في ذلك في سبتمبر 2012، وتحسن وضع الميناء بعد ذلك، قبل أن تأتي جائحة الحوثيين على كل شيء، والتي تبعها بعد ذلك إجراءات فرضها التحالف لتفتيش السفن في جيبوتي وجدة والتي كانت تؤجل وصول السفن أياما وأشهر وتضاعف من تكاليف المواد الاستهلاكية المستوردة.
ووفقا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أبريل 2021، بعنوان "تقييم الأضرار والقدرات: ميناء عدن وميناء المكلا"، فإن خمسين بالمائة من سعر تكلفة الكيلوغرام الواحد من القمح في اليمن هي تكاليف تتعلق بالنقل مثل تكلفة الشحن والتأمين وغرامات التأخير، وذلك بسبب "نقص تاريخي في الصيانة (للموانئ).
التقرير اقترح حلولا لتحسين البنية المتردية في الميناءين قيد الدراسة، وقال: "إذا كانت البنية التحتية الأساسية في أي بلد غير كافية، فمن غير المجدي إحضار المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية ومواد البناء اللازمة لإعادة الاعمار"، وكانت مؤشراً على مساع لتطوير الميناءين الواقعين تحت سيطرة الحكومة غير أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح منذ مطلع هذا العام.
ففي فبراير من العام الحالي، فتحت موانئ الحديدة الواقعة تحت سيطرة الميليشيا أمام السفن التجارية دون عوائق، ومارست الميليشيا ضغوطاً على التجار والمستوردين أجبرتهم على تحويل الواردات عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرتها، ساعدها في ذلك وجود الكتلة السكانية الأكبر بمناطق سيطرتها، إضافة إلى الوضع الأمني المتدهور ونقاط الابتزاز المنتشرة بلا رقيب في عدن والطرقات التي تربطها ببقية المحافظات.
وحاولت الحكومة تدارك الأمر وأعلنت في أبريل عن حزمة تسهيلات للمستوردين عبر الموانئ المحررة، وأعلنت عن زوال إجراءات التفتيش التي كانت تعاني منه السفن ونقل التفتيش إلى الموانئ بالشكل الروتيني الذي كان عليه قبل الحرب، ووقعت مع الأمم المتحدة مذكرة تفاهم أولية خاصة بخفض كلفة التأمين البحري على السفن، في محاولة للحفاظ على المركز التجاري للموانئ الواقعة تحت سيطرتها لا سيما عدن.
غير أن تلك الإجراءات لم تؤت أكلها، فقد شددت ميليشيا الحوثي من إجراءاتها ضد التجار الذين يستوردون عبر الموانئ المحررة، ومنعت عبور السلع عبر المنافذ الجمركية التي استحدثتها على طول الخط الفاصل بين مناطق سيطرتها ومناطق الحكومة المعترف بها، ومارست ضغوطا على الغرفة التجارية وصولاً إلى تغيير قيادتها، الأمر الذي أجبر المستوردين على الاستيراد عبر موانئها بشكل حصري.
وتفاقم هذه الإجراءات من المشاكل الاقتصادية للحكومة المعترف بها والتي تخسر ثاني أهم مواردها بعد خسارتها المورد الأهم المتمثل في تصدير النفط والغاز منذ استهداف الحوثيين موانئ التصدير شرقي البلاد قبل أكثر من عام.