الوطن العدنية/كتب_علاء الحسني
كنت أتصفح موقع إخباري واتجول في أقسامه وزواياه وفجأة رأيت مادة صحفية تتحدث عن رهاب الهاتف وأن الأمر بات عالميا.... ثم سألت نفسي بهدوء (أنت أحد هؤلاء الأشخاص)؟ ثم تابعت القراءة والاطلاع حول هذه العادة المكتسبة السيئة...حقا نحن في زمن أصبحت فيه أصوات الهواتف المحمولة كمثل طرقات الباب ليلا في قرية بعيدة لا يعرف أهلها النوم إلا خفيفا، فما أن يسمع صوت الطارق حتى تجفل قلوبهم متسائلة اللهم اجعله خيرا، رغم أن الطارق قد يكون جارا يريد فنجان سكر لا أكثر ولا أقل...
إن الهاتف المحمول،هذا الساحر الصغير الذي حول العالم إلى قرية، بات اليوم سببا لقلق عميق لا يستطيع أن يفسره كثيرون،إلا أنه أصبح يتسلل إلى نفوسنا بهدوء يسبق عواصف الاتصال والرسائل النصية...تماما مثل من ينتظر خبرا سيئا حتى لو لم يكن هناك ما يبرر الانتظار...تسميه الدراسات النفسية الحديثة قلق الهاتف Phone Anxiety ويعرفه آخرون بـ"رهاب الهاتف Telephonophobia وهو حالة يشعر فيها المرء بتوتر بالغ عند سماع رنين هاتفه أو تلقي رسالة نصية،وقبل أن يعرف حتى هوية المتصل أو مضمون الرسالة،
في مجتمعاتنا العربية،أصبح هذا الهاتف كمثل ،الضيف الثقيل،نحسن ضيافته مجاملة بينما ننتظر رحيله على أحر من الجمر...ولهذا أصبح بعضنا يغلق تطبيقات المراسلة ويطفئ خدمة الرسائل النصية أو يضع هاتفه في وضع الطيران،في محاولة لاستعادة شيء من هدوء النفس وصفاء الذهن،
والملفت في هذا النوع من القلق،أن أسبابه ليست واضحة كوضوح شمس نهار مدينة عدن في أغسطس، لكنه مرتبط ارتباطا وثيقا بتطور ثقافة...الاتصال الدائم"والاعتماد شبه الكامل على الأجهزة الذكية، وكأن الإنسان صار مربوطا بها كما يربط الجمل في ساقية الماء، يدور بلا توقف ولا مهرب،
هذا القلق لا يفرق بين صغير أو كبير، غني أو فقير، وهو كمثل النار التي لا ترى لكنها تحرق إذ يشعر المرء معها بضيق في التنفس وزيادة في ضربات القلب عند سماع نغمة الهاتف، فيقرر تجنبه حتى لا يقع في فخ الإجابة،والتي قد لا تكون أكثر من سؤال بسيط....'وينك'؟ لكنه في لحظة التوتر يبدو كاستجواب مصيري،
ويقدم المختصون حلولا غريبة، لكن فيها شيئا من الحكمة التي اعتدنا سماعها من جداتنا، كأن ينصحوا، بالتطهير الرقمي Digital Detox ويقصدون بذلك فترات من الانفصال التام عن الهاتف، وهنا أتذكر جدتي حين كانت تقول من طول الغيبة،جاب الغنايم...فلعل الابتعاد قليلا عن هاتفنا يجلب لنا شيئا من راحة البال والغنيمة التي فقدناها في عصور السرعة والضجيج الرقمي،وينصحون أيضا بتقنية أخرى يسمونها الصندوق الأسود وهي طريقة تتعامل فيها مع الهاتف كأنه صندوق بريد لا تفتحه إلا في أوقات محددة،بدلا من القلق الدائم من وصول الرسائل،تماما كما كان آباؤنا في السابق يذهبون إلى مكتب البريد يوميا، ولا يستعجلون الرسائل لأنها لا تصل قبل أوانها،كذلك فإن تبديل نغمة الهاتف بشكل دوري قد يكسر الارتباط الشرطي،ويشبه ذلك ما كان يحدث في الماضي حين كنا نغير طرقات أبوابنا أو نغير ديكور غرفنا لتتبدل النفسية ويذهب الملل وتخف حالة التوتر من الأشياء المعتادة....،
وفي نهاية المطاف،لا بد أن نعرف أن هذا الرهاب ليس مشكلة محلية فقط، بل أصبح عالميا،إذ تشير بعض الدراسات إلى أن حوالي 40% من مستخدمي الهواتف المحمولة حول العالم يعانون من درجات متفاوتة من هذا النوع من القلق،ولنتذكر دائما أن الشخص الذي يعاني من هذا الرهاب ليس إنسانا سيئا ولا متكبرا ولا مهملا، بل هو شخص يعاني، وتطارده مشاعر القلق رغماً عنه...
لذا ينبغي لنا جميعا أن نلتمس له العذر، ونقدر ظروفه النفسية، وأن نتجنب الزعل أو الحنق عليه، وألا نتخذ مواقف سلبية قد تزيد من معاناته،
ولعل هذا هو جوهر الإنسانية الذي لا تغيره التقنية أن نمنح بعضنا البعض مساحة من التفهم والرحمة، تماما كما نحب أن تمنح لنا