أخبار محلية

الأربعاء - 02 يوليو 2025 - الساعة 01:54 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/المصدر اونلاين

في بلد يتفتت من أطرافه، تتسع ساحة الصراع والتجاذبات، وتنتعش مشاريع ما دون الدولة، وفيما جرى العرف أن "القائد الأعلى" لقب سيادي وتسمية حصرية لرأس واحد في لبلد هو رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد باتت هذه التسمية متكررة ومتعددة بتعدد التشكيلات والمليشيات المسلحة على امتداد الخارطة اليمنية، وكجزء من سباق محموم على تثبيت النفوذ وفرض الأمر الواقع.

أحدث هذه المظاهر ما أعلنه الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، صباح الأحد، من قرار حمل الرقم (2) لعام 2025، ويقضي بتشكيل "اللواء الأول من قوات حماية حضرموت"، استناداً إلى قرار سابق صدر في ديسمبر 2024، من المقدم من قائد قوات حماية حضرموت اللواء مبارك أحمد العوبثاني، يقضي بإنشاء هذه القوات.

ونص القرار في مادته الأولى على تشكيل اللواء، وفي مادته الثانية على تعيين ثلاث شخصيات عسكرية لقيادته، بينما اختتم بتوقيع الشيخ بن حبريش بصفته "القائد الأعلى لقوات حماية حضرموت" – وهو مؤشر على رغبة في فرض واقع جديد في حضرموت والحضور في الحلبة بشكل يوازي الكيانات القائمة ويتجاوز منطق الدولة.

يأتي ذلك في سياق مطالب قديمة لحلف قبائل حضرموت بإدارة مستقلة للمحافظة، وتحت شعار "الحكم الذاتي" لحضرموت، باعتبارها كياناً مستقلاً يجب أن يُعامل كندّ على طاولة التسوية، بعيداً عن الحكومة الشرعية، وخارج جلباب المجلس بنفس قدر رفضه لمليشيا الحوثي في صنعاء التي كرست هيمنتها على صنعاء ومساحات واسعة من اليمن منذ أكثر من عشر سنوات.

وبعد سنوات من الاستعراض بالمجاميع القبلية المسلحة واستدعائها بشكل موسمي، قرر بن حبريش المضي في تحويل هذه المجاميع إلى قوة دائمة أكثر تنظيماً، وأقرب إلى النموذج العسكري الكامل، اعتقاداً منه بأن القوة المسلحة هي الأداة الوحيدة القادرة على فرض المطالب وانتزاع الاعتراف.

قد تبدو هذه الخطوة للبعض نوعاً من المبالغة أو الاستعراض، لكنّها في الواقع تمثل امتداداً لتجارب سابقة بدأت بنفس الطريقة.

كيانات مشابهة بدأت بذات الطريقة وحصلت على الرعاية الكاملة، فالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نشأ في ظروف مشابهة وفي بيئة مغرية عام 2017، بدأ بتحركات مناطقية، ثم حفزته تلك البيئة ليتحوّل إلى كيان سياسي وعسكري كامل، مدعوم من دولة الإمارات، حصل على السلاح والتمويل والتدريب، قبل أن يعلن عن "الرئيس القائد" و"القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية"، ويُهيمن على أجزاء واسعة من الجنوب خارج إطار الدولة، وبموجب هذه السيطرة دخل كشريك فعلي في هياكل مؤسسات الدولة، لكنه مع ذلك لا يعترف بكونه جزء من الجمهورية اليمنية ولا يعمل تحت رايتها، بل يعمل من داخل الدولة لتعزيز الانفصال وفرض التقسيم كأمر واقع.

وفي الأوضاع الطبيعية، ما قبل الحرب، وضعت فكرة الفيدرالية على الطاولة وكانت ضمن الأفكار التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني، لكن تآكل الدولة بفعل الحرب واستلاب القرار الوطني أخذ الأوضاع بعيداً عن فكرة الفيدرالية وتمكين السكان المحليين من إدارة شؤونهم والتنافس لإحداث التنمية بعيداً عن عوائق وبيروقراطية المركزية التي يرى البعض أنها كانت السبب لإبقاء مساحات واسعة من البلد محرومة من التنمية والمشاركة خلال العقود الماضية، إلا أنه وفي الوضع الجديد تحول المشهد إلى دويلات متصارعة مرتبطة بأجندات لا علاقة لها بهموم المواطن المحلي.

يدير المجلس الانتقالي محافظات عدن لحج أبين الضالع شبوة بشكل كامل لكنه فشل فشلاً ذريعاً في إنجاز تنمية يلمسها المواطن ودأب قادته على الهروب من مسؤوليتهم عن التعثر الحاصل إلى اتهام الحكومة الشرعية التي يشغلون نصف مقاعدها ويتحرك مسؤولوها تحت رحمة قواتهم المسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن.

آخر هذه التصريحات ما ذهب إليه قيادي رفيع في الانتقالي مؤخراً حول اتهام ما أسماها "الدولة العميقة" بعرقلة أي إنجاز في ملفي الانهيار الاقتصادي وتدهور الخدمات اللذين يشكلان الملح الأبرز للمرحلة الحالية.

وفي حضرموت تعمد المجاميع المسلحة التابعة لحلف قبائل حضرموت لإحكام قبضتها على حقول النفط في هضبة المحافظة والطرقات الرئيسية في الوادي والصحراء عندما تريد رفع صوتها وإرسال رسائل خشنة لمجلس القيادة، لكن ساحل حضرموت لا يزال تحت سيطرة قوات موالية للإمارات والمجلس الانتقالي.

ويكتسب حلف قبائل حضرموت وزعيمه عمرو بن حبريش قوتهم من رغبة السعودية في إبقاء جغرافيا وادي وصحراء حضرموت الواقعة على حدودها بعيداً عن هيمنة شريكتها الرئيسية الإمارات، باعتبار أن تلك المناطق تقع في نطاقها الأمني وتحاول المملكة إبقاء بن حبريش قريباً منها، ورغم ما يرى البعض أنها قد تدعمه لتأسيس قوات عسكرية خاصة، إلا أنها وعلى ما يبدو، غير مستعدة للذهاب معه إلى مدى أبعد من قبيل إنشاء كيان خاص في المرحلة الراهنة على الأقل.

ومؤخراً، بعد تصعيد الخطاب بين الشيخ عمرو بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت وبين عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي وزيارة الأخير إلى المكلا، استدعت الرياض بن حبريش ونقلته على متن طائرة خاصة والتقى هناك بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وهي الخطوة التي تعتمدها المملكة في السياقات المشابهة، فخلال زيارة الزبيدي الأولى إلى المكلا في مايو 2023، استدعت المملكة وجاهات المحافظة وشخصياتها البارزة إلى الرياض، حيث ناقشوا تأسيس "مجلس حضرموت الوطني" وأعلنوه بعد شهر من الاجتماعات.


لكن بقاء بن حبريش الشخصية القبلية الوازنة ورئيس حلف القبائل ومؤتمر حضرموت الجامع، أهم كيانين بالمحافظة، خارج المجلس، ورفضه عضويته أضعف من مستواه، وظلت الأعين تترقب أين سيتجه الرجل، الذي خاض خلال العامين الأخيرين صراعاً دائما مع حلفاء الإمارات.

وإن كان بن حبريش لم يخرج من زيارته للسعودية ولقاء بن سلمان، بتصريحات تؤكد بشكل مباشر دعم السعودية لتوجهاته بالكامل، إلا أنه حرص على إيصال رسالة لأنصاره في حضرموت مفادها أن السعودية راضية عن تحركاته، وتفضل أن تبقى حضرموت – وخصوصاً واديها وصحرائها – أٍرب إليها كما كانت دوماً.

لكن المملكة، ورغم هذا القرب، لم تذهب حتى الآن إلى منح بن حبريش الغطاء الكامل ذاته الذي منحته الإمارات للانتقالي، فبينما تم تسليح وتدريب قوات الانتقالي علناً، لا تزال قوات "حماية حضرموت" في بداياتها، تبحث عن اعتراف ومشروعية، وتنتظر اللحظة الإقليمية المناسبة لتتحول من كيان رمزي إلى لاعب فعلي على الأرض.

وفي المنطقة ذاتها وادي وصحراء حضرموت، تدعم السعودية أيضا قوات من "درع الوطن" التي أنشئت بقرار رئاسي وتتبع القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، إلا أنها مع ذلك تعمل خارج الأطر الرسمية لوزارة الدفاع، ونشرت المملكة عدة كتائب في مناطق تنتشر فيها قوات المنطقة العسكرية الأولى في الجيش اليمني، التي يقع مقرها في سيئون، مركز مديريات الوادي والصحراء.

وفي أبريل الماضي، ظهر كيان جديد يحمل اسم "تيار السيادة والتغيير" في منطقة العبر الحدودية مع السعودية، بقيادة شخصيات قبلية بعضها مرتبط سابقاً بجماعات متطرفة كتنظيم القاعدة. اختفى التيار سريعاً، لكنه قد يعود في أي لحظة ضمن لعبة إعادة تشكيل المشهد المحلي في حضرموت والمناطق الشرقية.

الوضع في حضرموت لا ينفصل عن مشهد مماثل في محافظة المهرة، التي شهدت هي الأخرى فعالية عسكرية لقوات "درع الوطن" مطلع الشهر الجاري، غاب عنها علم الجمهورية اليمنية، كما غاب علم "الجنوب العربي"، وتربع على المنصة قادة محليون بلحى طويلة ودشداشة قصيرة، إلى جانب ضباط سعوديين، باركو الخريجين وشكروا التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على رعايتها ودعمها لإنشاء وتدريب هذه القوات، ما يفتح الباب لتساؤلات كثيرة عن مستقبل السلطة والسيادة في الشرق اليمني، وسط تزايد المؤشرات على صعود كيانات مسلحة مسنودة خارجياً دون وضوح في الأهداف النهائية.

والخلاصة أن تشكيل مجلس القيادة من زعماء التشكيلات المسلحة واستمرار هذه الكيانات دون تذويبها في هيكل الدولة فتح شهية كثير من الزعماء المحليين لتشكيل قوات وفرض نفوذهم على الأرض، سواءً تحت لافتة مظلوميات تاريخية أو جهات جغرافية.

ومع استمرار سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء وأجزاء واسعة من شمال وغرب ووسط اليمن فإن فراغاً كبيراً تسبب فيه طول أمد الحرب وضعف الحكومة الشرعية والأجندات الخارجية، وأدى لتآكل تشهده الجمهورية اليمنية من أطرافها، ومع حالة انتظار غير مفهومة من قبل كل الأطراف فإن كثيرين يعتقدون أن تسوية سياسية ستفرض على الجميع، لكن لا أحد يجد الإجابة حول شكل اليمن القادم، وما إذا كنا قادمين على يمن واحد أم يمنات تؤسس لفترة طويلة من اللادولة واللااستقرار.