الوطن العدنية/كتب_محمد مسعود
أي إرادة لشعب ذليل نَبته؟
في وطن تتلاشى فيه الأحلام تحت وريقات قات، ما الذي تبقى من الإرادة؟
كيف يمكن لأمة أن تبني حضارة، وهي تهدم ساعات يومها كل مساء على أرصفة الكسل والتخدير الطوعي؟
في اليمن، تشير التقديرات إلى أن 60% إلى 90% من الرجال يتعاطون القات بانتظام. ليس الأمر مجرد عادة، بل أصبح طقساً يومياً مقدساً، يهدر فيه الوقت والمال والعقل. يُقترض لأجله، يُكذب لأجله، وتُقطع علاقات وجسور إنسانية لأجله.
وفي نهاية اليوم، يفتح هذا الشعب فمه للشكوى:
"لماذا نحن فقراء؟ لماذا لا تبنى الطرق؟ أين الماء؟ أين الدولة؟"
لكن لا أحد يسأل:
أين ذهب وقتك؟ وأين أنفقت مالك؟
بينما المدارس تنهار، والمستشفيات تخلو من الأدوية، يُنفق المواطن العادي آلاف الريالات أسبوعياً على القات.
لو وُجِّه جزء يسير من هذه الأموال نحو التعليم أو الإنتاج أو حتى البنية التحتية، لكان المشهد مختلفًا. لكن كيف نطلب من فم مليء بالقات أن يتحدث عن النهضة؟
كيف نطلب من جسد متسدح على سجادة قات أن يمسك معولًا أو يحمل كتابًا؟
القات لا يقتل الجسد سريعًا، لكنه يخنق الطموح، ويغرق الكرامة في مستنقع الكسل.
هو المخدر الذي لا يُمنع قانونًا، لكنه يمنع النهوض.
هو الملهي الذي يجعل الاحتلال الفكري والاقتصادي مريحًا…
فما دمت مخزنًا، لن تطالب بشيء، ولن تغير شيئًا.
ليس غريبًا أن تكون الطرق محفرة، والكهرباء معدومة، والماء مالحًا أو مفقودًا.
الغريب هو أن من يقضي ست ساعات يمضغ نبتة في فمه، يتوقع أن تُبنى له دولة على قدر أحلامه.
الغريب أن من يهدر كل دخله على القات، يعود في المساء ليشتم حظه، ويصرخ: "الوطن خذلنا".
لكن الحقيقة أن الوطن لم يُخذل، بل أُخذل من قبل شعب لا يريد أن يتغير.
شعب يذل نفسه كل يوم، ثم يسأل عن العزة.
شعب باع يومه بالقات، ثم طلب غدًا أفضل.
ليست الدعوة هنا إلى حرب على القات فحسب، بل إلى حرب على التبعية، على الهروب من المسؤولية، على ثقافة "أنا لست السبب".
القات ليس مجرد ورقة، بل رمز للجمود.
ومتى ما رُفعت هذه الورقة عن أفواه الرجال، قد يعود الكلام عن الإرادة، عن البناء، عن المستقبل.
محمد مسعود