الوطن العدنية/د.صالح المرفدي*
تمهيد:الحقيقة أن هذا السؤال دائمًا ما يتكرر، ويتم طرحه من قبل العديد من المهتمين في الشؤون الفقهية والقانونية.. وفي هذا المقام، كان لي أن أبيّن رأينا المتواضع في مقال موجز، فقد يتفق أو يختلف مع آراء الآخرين.. فإن أحسنت فمن الله، وإن أساءت أو أخطأت، فمن نفسي والشيطان.. ولكي نعرض موضوع النقاش بشكل واضح وجلي، كان ولابد أن نعرض النصوص الشرعيه والقانونية المتعلقة بالموضوع، ونحللهما ونشرحهما، ثم نضع خلاصة لرأينا المتواضع.
#أولا: النص الشرعي والقانوني:
- النص الشرعي:
حديث عبدالله آبن عباس، أن أمرأة ثابت بن قيس أتت النبي (ﷺ)، فقالت يا رسول الله، أن ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها رسول الله (ﷺ)، أتردين عليه حديقته، فقالت نعم، وزيادة، فقال (ﷺ): أما الزيادة فلا، وقال لثابت: (أقبل الحديقة وطلقها تطليقة).
- النص القانوني:
المادة (٥٤ من قانون الاحوال الشخصية) نصت بالاتي: "إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية، وجب على القاضي أن يتحرى السبب، فأن ثبت له، عين حكمًا من أهل الزوج وحكمًا من أهلها؛ للإصلاح بينهما، وإلاَّ أمر الزوج بالطلاق، فان أمتنع حكم بالفسخ، وعليها أن ترجع المهر". أما أحكام الخلع في القانون اليمني، فقد نصت المادة (٧٢ احوال شخصية) منه بالاتي: "الخلع هو فرقة بين الزوجين، في مقابل عوض من الزوجة أو من غيرها، مالاً أو منفعة، ولو كان بأكثر مما يلزم بالعقد، أو كان مجهولاً" . ونصت المادة (٧٣) على مايلي: "يتم الخلع بالرضا بين الزوجين، أو ما يدلّ عليه عقدًا كان أو شرطا، ويشترط في الخلع ما يشترط في الطلاق، وأن تكون الزوجة حائزة التصرف بالنسبة للعوض". أما المادة (٧٤ نفس القانون) فنصها هو الاتي: "يعتبر الخلع طلاقاً بائناً بينونة صغرى، ما لم يكن مكملاً للثلاث، فبائناً بينونة كبرى، ويجب في الخلع الوفاء بالبدل".
#ثانيًا: تأصيل وتحليل النصين:
وبتأصيل وتحليل دقيق للنصين الشرعي والقانوني، يتضح عدم وجود أي فرق بين الفسخ للكراهية والخلع من حيث سببهما، وذلك للمبررات الاتية:
1 - أجتمع سبب (الكراهية) كمعيار جامع بين النص الشرعي والنص القانوني، وإن اختلف الأثر المترتب على تطبيق النصين القانونيين (م ٥٤ و م٧٢ احوال شخصية ومابعدها)، لكن سبب الفرقه الزوجية واحد ويتمثل (بالكراهيه).
2 - لم يرد في كتب الفقة الاسلامي المتقدمة ولا المتأخرة، سببًا لفسخ الزواج تحت مسمى (الفسخ للكراهيه!!)، ماعدا مرجع متأخر لفضيلة العلامه/ محمد بن يحيى المطهر، احدى مشرعي قانون الاحوال الشخصيه اليمني..
3 - للزيادة في التفصيل، نجد أن العبارات والمصطلحات الواردة بنص المادة (٥٤) احوال شخصيه، أصلها الشرعي في حديث "الخلع" المشهور (لامراة ثابت بن قيس).. ولما كان أساس وسبب الفسخ في هذا الحديث، هو قول المخلوعة للرسول (ﷺ)، وبعبارة صريحة: (ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام).. يتضح أن المشرع اليمني، اشتقّ سبب الفسخ (للكراهية)، من السبب الوارد في هذا الحديث المشهور.
4 - أن المشرع اليمني، أخذ برأي بعض العلماء في تحديد حكم الخلع، باعتباره فسخًا لا طلاقا، (وهو الرأي الراجح في أعتقادي!)؛ لذلك يعتبر الفسخ للكراهية المنصوص في القانون اليمني، حكمه كحكم الخلع القضائي، وأكرر من حيث السبب!!
5 - لم يستفصل الرسول (ﷺ) في حديث أمرأة ثابت بن قيس عن سبب طلبها للطلاق بشكل جلي، واكتفى بقولها: (ولكني أكره الكفر في الإسلام).. والمَعنى، أنها تُبغِضه، وتخشى أن يؤدي بها هَذا النُّفور الطبيعِي مِنهُ إلى كُفران العشير، والتَّقصيرِ في حقِّ الزوج، والإساءة إلَيه، وارتِكاب الافعال التي تُنافي الإسلام مِن الشِّقاق والخُصومة والنشوز ونحوِها… لذلك، أستند المشرع اليمني لسبب الفسخ في المادة (٥٤ للكراهيه).
6 - إن قول النبي (ﷺ) في الحديث السابق، لثابت بن قيس وزوجته (أقبل الحديقه، وطلقها تطليقه).. معنى هذا، أن الرسول الكريم، أمر زوجها بتطليقها، بعد أن انصاع لأمر الرسول، بقبوله للحديقة (المهر)، وهذا مايفيد أن الخلع فسخا الزاميا وليس طلاقا، لذلك، أشارت المادة (٥٤) في احدى عباراتها بالنص الاتي: (وإلاَّ أمر الزوج بالطلاق، فان أمتنع حكم بالفسخ، وعليها أن ترجع المهر).
7 - إن الحديث السابق للرسول (ﷺ)، يثبت أنه قال لامرأة ثابت بن قيس، عندما قالت بشأن رد المهر (وازيده)، فقال (ﷺ): (أما الزياده فلا)، وفي هذا الخصوص، أستند المشرع اليمني لهذا الحديث، بارجاع المهر للزوجه كاملا دون زيادة أو نقصان (وبحسب ماذكرته المادة السابقه ٥٤).
ولهذة المبررات، ترك المشرع اليمني المجال أمام الزوجه، الذي يتعنت زوجها في مخالعتها برضاه، ومنحها الحق بتقديم طلب المخالعه قضائيا، لكن تحت مسمى (الفسخ للكراهية). وبالمقابل: أخذ المشرع اليمني في نفس الوقت من رأي القائلين، بأن المخالعه طلاقا لا فسخا، ومنح للزوجين اجرائها خارج المحكمة برضائهما واقتناعهما دون ضغط أو اجبار، وبالبدل المتفق عليه، سواءً كان مساويا للمهر، أو زائدًا، أو ناقصًا عنه، واعمالا لنصوص المواد (٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ احوال شخصيه).
ولكي يكتمل الفهم، لابد وأن نتطرق لأوجه الاختلاف في أثار الفرقة الزوجية بين حكم الفسخ وبين الطلاق: وأولها/ أن الفسخ لا يكون إلا عبر المحكمة، بينما الطلاق يكون خارج المحكمة ومتعلقًا بإرادة الزوج. وثانيهما/ أن عدة المفسوخه حيضة واحده، بينما عدة المطلقة ثلاث حيضات. وثالثهما/ أن عودة الزوجية في الفسخ يكون بعقد ومهر جديد وبموافقة المفسوخه، بينما عودتها في الطلاق يكون بارادة الزوج وبدون موافقة الزوجة؛ طالما وأن العدة لم تنته، كما يكون بموافقة الزوجة، وبمهر وعقد جديدين؛ اذا انتهت عدة المطلقة… وفي الاجمال، فأن المادتين (٨٦ و ٨٧ احوال شخصية على التوالي)، بينتا الآثر المترتب على الطلاق الرجعي، وعلى الفسخ باعتباره طلاق بائن! ويتضح من خلال نص هاتين المادتين، أن أثر الفرقة بين الزوجين، يكون في الفسخ أكثر منه في الطلاق!
- ومن نافلة القول:
أن البعض قد يعتقد أن هناك فرق من حيث السبب، يكمن في أن الفسخ للكراهية (لابد للقاضي أن يتحرّى السبب، ولا بد أن يثبت له ذلك السبب؛ للحكم بالفسخ)، وأجيب على ذلك، أن المقصود من هذة العبارة هو، أن واجب القاضي معرفة السبب الذي استدعى وصول الزوجه الى أن تكره زوجها، فيكفيها أن تذكر السبب، وبعد ذلك تأتي قناعة القاضي، في تقدير وتكييف هذا السبب، ما إذا كان يولد (نزعة الكراهية) لدى الزوجه أم لا؟؟ وإن كنت لا أتفق - بكل تواضع - مع المشرع اليمني، في التصريح بعبارة (فإن ثبت له)؛ لإن الشعور والاحساس بالكراهيه مسألة نفسيه داخليه، تدور في خلجات ومكنونات الزوجه، ولا تستطيع الزوجه أن تثبت للقاضي، إن كان هذا السبب مقنعًا لكراهيتها له، لذلك، أقترح على المشرع اليمني، حذف عبارة (فإن ثبت له)؛ والابقاء على عبارة (وجب على القاضي أن يتحرّى السبب)؛ فيكفي للزوجه أن تذكر السبب، ولا تلزم باثباته أمام القاضي سواءً كان اثباتا نفسيًا أو ماديًا.. ولعل حديث أمرأة ثابت بن قيس المذكور سلفًا خير شاهدًا على صوابية هذا الاقتراح المتواضع.
- وغني عن البيان:
أن قوانين الاحوال الشخصيه العربية، لم تنص على مسمى الفسخ للكراهية، واغلبها نصت على (دعوى الخلع)، ومنها التشريع المصري والسوري والنظام السعودي، والذي تنظرها المحكمة على مرحلتين، الاولى، مرحلة الاصلاح بين الزوجين بحكمين من أهلهما لدى مكاتب التسويه لشؤون الاسرة، وفي حال فشلهما يتم الانتقال للمرحلة الثانية، بتصريح الزوجه وتمسكها بالمخالعه، أمام المحكمة، ولا يشترط إبداء أي سبب، بل المهم، أن تصرح الزوجه بعبارة الافتداء بنفسها، وبكفرها باستمرار العلاقه الزوجيه، وأنها تخشى أن تقيم حدود الله، وعلى هذا الاساس، تقضي المحكمة بقبول دعوى المخالعه ورد المهر، وقد يكون أحيانًا مع رد الذهب، والجهاز ونحو ذلك.. أما القانون الكويتي، فيكون الخلع شبيهًا بالمادة (٧٢) وما بعدها من القانون اليمني، كخلعا رضائي بين الزوجين خارج المحكمة.. كما تقضي بعض القوانين، كالتشريعين الاردني والاماراتي، بنظر هذة الدعوى تحت مسمى (الفسخ للضرر أو استحالة العشرة)، وبنفس إجراءات دعوى المخالعه، على الرغم - ومن وجهة نظري - أن مسمى (الفسخ للضرر)، أسبابة مادية غالبا، ويختلف عن الفسخ للكراهيه أو المخالعه، والذي غالبًا ما تكون أسبابه نفسيه، كما ذكرت سلفًا في البند الخامس.
#خلاصة مقالنا:
أن المشرع اليمني، أحسن صنعاً بأن طبّق حكم الخلع في القانون من خلال صورتين:
- الاولى/ حكمه كالفسخ، وطبّق عليها حكم المادة (٥٤ احوال).
- والثانية/ حكمه كالطلاق الرضائي، وطبّق عليها المواد السالفة الذكر (٧٢ وما بعدها احوال)..
مع بيان إختلاف الأثر المترتب على الفرقة الزوجية بين أعتبار الخلع فسخا قضائيا (م٥٤)، أو اعتباره طلاقا رضائيا (م٧٢ ومابعدها)، وكما اوضحته المادتين (٨٦ و ٨٧ احوال)؛ ولعل أساس جمع المشرع اليمني بين هاتين الصورتين، هو الخلاف الفقهي في تحديد حكم الخلع، هل هو فسخ ام طلاق، وإن كان القول الراجح عند الفقهاء بأنه فسخا لا طلاقا، لكن المشرع اليمني استحسن الجمع بين الصورتين - وأؤيده على ذلك - وفسح المجال أمام الزوجه، الذي يتعنت زوجها في مخالعتها برضاه، ومنحها الحق بتقديم طلب المخالعه قضائيا، تحت مسمى (الفسخ للكراهية) كما ذكرنا سابقا وبالتفصيل. وان كان بدل الفرقه في الحالتين، يختلف في المقدار من الناحية القانونية، فوضع المشرع اليمني مقدار المهر فقط بدلًا للحكم بالفسخ للكراهية، بينما ترك البدل مفتوحًا للتراضي بين الزوجين كأثر لوقوع المخالعة.
هذا تصوري، والله أعلم بالصواب.
*المستشار/
د. صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض