الوطن العدنية/صالح الجبواني
في خطوة وُصفت بأنها “إجرائية” و”دستورية”، قُدمت مؤخرًا مذكرة أو مقترحات لتدوير منصب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن.
وعلى الرغم من أن فكرة التدوير قد تبدو للوهلة الأولى دعوة للتشاركية وتخفيف الاحتقان السياسي، إلا أن الواقع المعقد لتركيبة المجلس، والذي يتكوّن من قادة مليشيات مسلحة وأجنحة متصارعة أكثر من كونهم رجال دولة، يطرح تساؤلات جوهرية حول الأهداف الحقيقية من هذه الخطوة وما إذا كانت فعلاً تصب في مصلحة اليمنيين أم مجرد فصول في مسرحية النفوذ.. ومخاطر هذه الخطوة تكمن في العوامل التالية:
1. غياب الرؤية الوطنية لدى أعضاء المجلس
المجلس الرئاسي اليمني لا يُمثل مؤسسة دولة حقيقية بقدر ما يعكس محاصصة بين جماعات مسلحة ذات ولاءات إقليمية ودولية متباينة. تدوير المنصب بين هؤلاء لا يُنتج قيادة وطنية جديدة بقدر ما يُعيد إنتاج نفس النزاعات والصراعات بوجه جديد. فمن غير المنطقي توقّع أن يحمل زعيم مليشيا رؤية شاملة للدولة بينما أولوياته تظل محصورة في تعزيز سيطرة جماعته أو حصد مكاسب آنية على حساب المصلحة الوطنية.
2. عدم وجود معايير واضحة أو شفافة للتدوير
تفتقر عملية التدوير إلى آليات واضحة، سواء في اختيار الشخصية التي ستتولى الرئاسة مؤقتًا أو في معايير الأداء والمحاسبة. وهذا يفتح الباب أمام صفقات خلف الكواليس، ومساومات مبنية على توازنات القوة وليس على الكفاءة أو الإجماع الوطني. بهذه الطريقة، يتحول التدوير إلى مجرد تناوب على الامتيازات لا أكثر.
3. تدوير داخل حلقة مغلقة من الفشل
عندما يكون الفشل هو القاسم المشترك بين معظم أعضاء المجلس، فإن تدوير القيادة فيما بينهم لن يغير شيئًا سوى الواجهة. فالعقبة ليست في شخص الرئيس وحده، بل في طبيعة المنظومة التي لا تسمح بقيام مؤسسة رئاسية فعلية تحظى بثقة المواطنين أو تمتلك أدوات حقيقية للقرار. التدوير هنا أشبه بتبديل المقاعد على ظهر سفينة تغرق.
4. خطر شرعنة المليشيات تحت غطاء “المؤسسية”
كلما استُخدمت أدوات الدولة كالتدوير أو القرارات الرئاسية لتجميل وجود جماعات مسلحة داخل بنية الدولة، فإننا لا نُعيد بناء الدولة، بل نُطيل عمر المليشيات. هؤلاء القادة، سواء في الجنوب أو في مناطق أخرى، يملكون السلاح والتمويل والتحالفات الخارجية، ويستخدمون السلطة الرئاسية لشرعنة سيطرتهم لا لتفكيكها.
5. تأثير سلبي على فرص السلام
في الوقت الذي يتطلع فيه اليمنيون إلى قيادة قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة لإنهاء الحرب والبدء في عملية سلام شاملة، فإن التدوير بهذه الطريقة يرسل رسالة معاكسة: أن الحكم لا يزال لعبة مغلقة بين قوى الأمر الواقع، وأن الطريق إلى التغيير السياسي مغلق أمام أي قوى مدنية أو وطنية حقيقية.
فب الختام فأن تدوير رئاسة مجلس القيادة في اليمن، بصيغته الحالية، ليس سوى فصل جديد من لعبة النفوذ، لا يعكس رغبة حقيقية في التغيير أو الإصلاح. بل هو مؤشر إضافي على غياب مشروع وطني جامع، وعلى استمرار التعامل مع الدولة كغنيمة لا كمؤسسة. اليمن اليوم بحاجة إلى رجال دولة، لا قادة مليشيات يتبادلون الأدوار فوق ركام وطن محطم.