الوطن العدنية/حافظ النخعي
يا من مُنِحتُم النعمة العظمى، وهُديتُم إلى أقدس الرعايات، اعلموا أنكم حين رُزقتم أبناءً، لم تُرزقوا أجسادًا تنمو، بل أمانات تُحمل، وذمم تُختبر، ونفوسًا صافية خُلِقت لتُروى من نبع الفضيلة وتُسقى بماء التقوى.
إن الأبناء ليسوا زينة الحياة فحسب، بل هم أمانة مُلقاة على العواتق، وابتلاء تُقاس به القلوب، وتُوزن به الهمم، وتُعرف به المعادن. فمن أدى الأمانة فقد أدى الرسالة، ومن فرّط فيها فقد خان العهد، وساء الحساب.
الأسرة هي الوطن الأول، والمدرسة الكبرى، والمصنع الذي تُصاغ فيه النفوس، إما على هدىً وإيمان، أو على تيهٍ وخسران.
يا من تقومون على شؤون بيوتكم، اعلموا أن صلاحكم هو المفتاح، وتقواكم هي الزاد، وكلماتكم تسكن القلوب قبل أن تسمعها الآذان، فكونوا لهم قدوة، فإنهم إن رأوا منكم صدقًا صدقوا، وإن رأوا منكم تقوى اتقوا، وإن رأوا منكم اعوجاجًا ضلّوا، وإن رأوا منكم غفلةً ناموا على ضياع.
ليس البر أن تكسوهم أفخر الثياب، ولا أن تهيئوا لهم ألين الفرش، فذاك جسد يَبلَى، ولكن البر أن تكسوا أرواحهم بثوب الطهر، وتفرشوا لهم درب الحياة بتقوى الله.
غذّوا عقولهم بالقرآن، وقلوبهم بالمحبة، وألسنتهم بالصدق، وأفعالهم بالرحمة. علموهم الصلاة قبل أن يُؤمروا بها، وعلّموهم غضّ البصر قبل أن تزلّ أقدامهم في دروب الفتنة.
ربّوا أبناءكم على أن الدنيا ممر، والآخرة مستقر، وأن للحق جِدًّا لا يعرف التهاون، وللباطل مكرًا لا ينجو منه إلا من اعتصم بالله.
إنّ صلاح الولد لا يقتصر على نفع نفسه، بل هو نفعٌ متعدٍ: يُصلح الله به القلوب، ويحفظ به الأوطان، ويعلي به راية الحق.
هو لا يسرق مالًا عامًا، ولا يعتدي على أعراض، ولا يُزهق نفسًا، ولا يروّج خمرًا، لأنه نشأ في حضنٍ عرف الحرام من الحلال، وتشرّب النور من مظانه.
ألا فاعلموا أن التربية ليست لحظة، بل رحلة عمر، وأنها جهاد لا يُكافأ عليه إلا بجنات الفردوس،
فطوبى لمن بذل الجهد، وجاهد النفس، وصبر على الأذى، وغرس الخير في نفوس أبنائه، وانتظر الثمرة بقلب المؤمن المحتسب.
وفي النهاية، تأملوا وعد الله الكريم:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}،
فهذه ثمرة التربية، وهذا جزاء من صلُح سرّه، واستقامت طريقته، وبارك الله في نسله.
نسأل الله أن يجعل أبناءنكم قرة أعين لكم، لا يشقون في الحياة، ولا تشقون بهم
اللهم إنا قد بلّغنا، فاشهد.
✍🏼 حافظ النخعي
9/4/ 2025