الإثنين - 21 يوليو 2025 - الساعة 06:00 م
قبل أن نتحدث عن الخدمات والكهرباء وعن تصريحات رئيس الوزراء سالم بن بريك على إحدى القنوات المصرية لا بد أن نعود إلى أصل الداء..فكل حديث عن تحسين الخدمات دون أن يسبقه جهد صادق وعميق في مكافحة الفساد ليس سوى بيعٍ للوهم وتزييفٍ لوعي الناس.
وحين صرح بأنه سيقدم الاقتصاد والخدمات على مكافحة الفساد بدا وكأنه يضع العربة أمام الحصان وتناسى أن قوة حصان الدولة لا تبنى إلا من خلال معركة حقيقية ضد الفساد وأنه لا يمكن لعربة الدولة أن تتحرك بخدمات مرقعة واقتصاد متهالك دون إصلاح الجذر الفاسد الذي ينهشها من الداخل...
فالمشكلة ليست فقط في هذا الترتيب الأعوج للأولويات وانما في الاستخفاف الفاضح بعقول الناس..الفساد في مناطق الشرعية تحول إلى منظومة متجذرة داخل مفاصل الدولة وتفكيك هذه المنظومة لن يتم باستئجار قنوات خارجية لتلميع الفشل وانما رؤية استراتيجية طويلة النفس تبدأ بخطوات جريئة على المدى المتوسط و تستكمل بتحولات جذرية على المدى البعيد...
والبداية الحقيقية لبناء قوة الحصان تبدأ من الداخل من بناء مؤسسات رقابية مستقلة لا تخضع لأي نفوذ حزبية وتحرير الجهاز المركزي للرقابة وهيئة مكافحة الفساد من قبضة القوى التي تتقاسم الغنائم. لا يمكن مكافحة الفساد بموظفين جاؤوا بالمحاصصة..ولا بد كذلك من رقمنة الإيرادات والإنفاق وقطع الطريق على الفساد اليدوي الذي ينهش الجمارك والضرائب وموارد النفط كما يجب مراجعة العقود والامتيازات الممنوحة للنافذين الذين حولوا المال العام إلى ملكيات خاصة وما لم يتم إقصاء الفاسدين ومحاسبتهم فلن يكتمل أي إصلاح حقيقي وستبقى الدولة تدور في حلقة مفرغة لأن المحاصصة ما زالت تحمي رؤوس الفساد وتفرضهم على الدولة كما تفرض الجبايات على الفقراء...
إلى جانب ذلك..يجب أن تكون هناك شفافية شاملة وتقارير واضحة تعكس كل ريال يدخل أو يخرج من خزينة الدولة وربط فعلي بين الموازنة العامة وبين الإجراءات على الأرض أما القضاء الإداري فإن إصلاحه واستقلاله هو صمام الأمان وشرط أساس في معركة اجتثاث الفساد وإلا تحول القانون إلى أداة بأيدي من ينهبون الدولة باسم الدولة فمن دون قضاء عادل واقتصاد مستقر سيظل الشعب الضحية في كل فصل من فصول هذا العبث المستمر محروم من أبسط حقوقه محاصرا بين جشع الفاسدين ووعودهم الكاذبة وهو يشاهد بحسرة كيف تنهب مقدراته وتباع كرامته بينما عصابات الفساد تعيث في الأرض فسادا بلا رحمة أو محاسبة...
وباختصار شديد التصريح الأخير لسالم بن بريك لن ينقذ شيئا وفضح هشاشة الأساس الذي قامت عليه حكومته وأسقط آخر ورقة توت عن خطة المئة يوم التي لم تولد أصلا وانما دفنت قبل أن ترى النور ولن تقوم لهذه البلاد قائمة قبل أن يعلنها أحدهم بوضوح لا إنقاذ بلا معركة حقيقية على الفساد ولا إصلاح بلا إسقاط هذه العصابة التي تعتاش على الدولة كما تعتاش الديدان على الجسد الميت...
فالأزمات لا تحل بتصريحات القنوات الفضائية المستأجرة وانما بقرار شجاع وحقيقي..مكافحة الفساد… أولا وبدون تأخير.